قرارات المحكمة الدستورية


قرار رقم : 255/25
تاريخ صدور القرار : 2025/08/04

 المملكة المغربية                                    الحمد لله وحده،
المحكمة الدستورية

ملف عدد: 303/25 
قرار رقم: 255/25 م.د

باسم جلالة الملك وطبقا للقانون


المحكمة الدستورية،

بعد اطلاعها على القانون رقم 23.02 الذي يتعلق بالمسطرة المدنية، المحال إليها بمقتضى رسالة السيد رئيس مجلس النواب، والمسجلة بالأمانة العامة لهذه المحكمة في 9 يوليو 2025، وذلك من أجل البت في مطابقته للدستور؛
وبعد اطلاعها على الملاحظات الكتابية التي أدلى بها البعض من السادة أعضاء مجلسي البرلمان والسيد رئيس الحكومة، المسجلة بالأمانة العامة لهذه المحكمة على التوالي في 17 و18 يوليو 2025؛ 
وبعد اطلاعها على باقي الوثائق المدرجة بالملف؛
وبنــاء على الدستـور، الصــادر بتنفيذه الظهير الشريف رقـم 1.11.91 بتــاريــخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011)؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 13. 066 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16 من شوال 1435(13 أغسطس 2014)؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14 من جمادى الآخرة 1437 (24 مارس 2016)، كما وقع تغييره وتتميمه؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 من جمادى الآخرة 1437 (24 مارس 2016)، كما وقع تغييره وتتميمه؛
وبناء على القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.33 بتاريخ 28 من جمادى الأولى 1436 (19 مارس 2015)؛
 
وبعد الاستماع إلى تقرير العضو المقرر والمداولة طبق القانون؛

أولا- فيما يتعلق بالاختصاص:
حيث إن الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور، تنص على أنه: "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور."؛
وحيث إن رسالة إحالة السيد رئيس مجلس النواب المذكورة أعلاه، وإن تضمن موضوعها "إحالة القانون المتعلق بالمسطرة المدنية في صيغته النهائية كما صادق عليها مجلس المستشارين في قراءة ثانية "، فإن هذه الإحالة أرفقت بنسخة من "مشروع قانون رقم 02.23 يتعلق بالمسطرة المدنية "، الذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 17 يونيو 2025، وتبعا لذلك قامت هذه المحكمة باستحضار الصيغة النهائية للقانون، كما صادق عليها مجلس المستشارين بتاريخ 8 يوليو 2025؛ 
وحيث إن الإحالة، قُدمت من قبل رئيس مجلس النواب قبل إصدار الأمر بتنفيذ القانون، مما يجعلها مُتقيدة بأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور؛

ثانيا- فيما يتعلق بالإحالة:
حيث إن إحالة قانون المسطرة المدنية المكون من 644 مادة، لم تتطرق إلى مآخذ تتعلق بمقتضيات النص المعروض على نحو محدد، مما يتوقف معه عمل المحكمة في الحيثيات بعده، على التحقق من إقرار النص طبقا للإجراءات المنصوص عليها دستورا، وبيان المقتضيات غير المطابقة للدستور أو المخالفة لأحكامه؛
وحيث إن المشرع الدستوري إنما رام ضمان التكامل بين الرقابتين القبلية الاختيارية والبعدية في إطار الدفع بعدم دستورية القوانين، تحقيقا لسمو الدستور وحماية للحريات والحقوق الأساسية التي يكفلها بموجب أحكامه، ولا سيما بالنسبة للنص المعروض الذي تنتظم به إجراءات الدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، فإن هذه المحكمة، في إطار مراقبتها لدستورية هذا القانون تراءى لها أن تثير فقط، المواد والمقتضيات التي بدت لها بشكل جلي وبيّن أنها غير مطابقة للدستور أو مخالفة له؛

ثالثا- فيما يتعلق بالإجراءات المُتبعة لإقرار القانون:
  حيث إن القانون المحال إلى المحكمة الدستورية، تَداول فيه مجلس الحكومة، طبقا للفصل 92 من الدستور، في اجتماعه المنعقد بتاريخ 24 غشت 2023، وأُودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، طبقا للفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور، بتاريخ 9 نوفمبر 2023، ووافق عليه هذا المجلس، بعد تعديله في جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 23 يوليو 2024، ثم أحيل بعد ذلك إلى مجلس المستشارين للتداول فيه، ووافق عليه، بعد أن أدخل عليه تعديلات ، في جلسته العامة المنعقدة في 27 مايو 2025، الأمر الذي تَطلب إحالته، من أجل قراءة ثانية، إلى مجلس النواب الذي وافق عليه في جلسته المنعقدة بتاريخ 17 يونيو 2025 بعد إدخال تعديلات عليه، ليحال بعد ذلك إلى مجلس المستشارين الذي وافق عليه بصفة نهائية في جلسته المنعقدة في 8 يوليو 2025؛  
وحيث إنه، يبين من الاطلاع على الأعمال التحضيرية للبرلمان، بخصوص القانون المحال، أن مجلس المستشارين أدخل خلال القراءة الثانية تعديلا على البند الثالث من الفقرة الأولى من المادة 85 الذي تمت المصادقة بشأنه على نص واحد، إذ أصلح خطأ ماديا شاب البند المذكور والذي كان يحيل على المادة 86 بدل المادة 84؛
وحيث إنه، يجوز لمجلس المستشارين في نازلة الحال، إدخال تعديل على مقتضى سبق أن توصل بشأنه مع مجلس النواب إلى المصادقة على نص واحد، متى كان هذا التعديل ينحصر في تدارك الأمر من خلال تصحيح خطأ مادي؛
وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق، يكون التعديل سابق الذكر من حيث موضوعه ونطاقه وكيفية التداول فيه والتصويت عليه، قد تقيد بالأحكام الدستورية المقررة لممارسة حق التعديل، مما تكون معه إجراءات إقرار القانون المحال مطابقة لأحكام الفصلين 83 و84 من الدستور؛ 

رابعا - فيما يتعلق بالموضوع: 
حيث إن القانون المعروض على نظر هذه  المحكمة يتكون من "بيان للأسباب" و644 مادة موزعة على أحد عشر قسما، خصص الأول منها لمبادئ عامة (من المادة الأولى إلى المادة 21)، والثاني لاختصاص المحاكم ( من المادة 22 إلى المادة 75)، و الثالث للمسطرة أمام محاكم الدرجة الأولى (من المادة 76 إلى المادة 224)، والرابع للمساطر الخاصة بالاستعجال ومسطرة الأمر بالأداء (من المادة 225 إلى المادة 243)، والخامس للمساطر الخاصة (من المادة 244 إلى المادة 350)، والسادس للمسطرة أمام محاكم الدرجة الثانية (من المادة 351 إلى المادة 374)، والسابع لمحكمة النقض (من المادة 375 إلى المادة 428)، والثامن لإعادة النظر (من المادة 429 إلى المادة 436)، والتاسع لطرق التنفيذ (من المادة 437 إلى المادة 598)، والعاشر لمقتضيات مشتركة بين جميع المحاكم (من المادة 599 إلى المادة 622)، والحادي عشر لرقمنة المساطر والإجراءات القضائية (من المادة 623 إلى المادة 639)، ومقتضيات انتقالية وختامية (من المادة 640 إلى المادة 644)؛

فيما يتعلق بـ "بيان الأسباب":
حيث إنه، يتبين من الاطلاع على "بيان الأسباب"، أنه لا يعدو أن يكون سوى مدخل لإبراز مكانة وأهمية وأهداف القانون المحال كقانون إجرائي، وسياقه والموجبات والمبررات الداعية إلى اعتماده، ولا يكتسي، في صيغته، خاصية معيارية، مما لا يدعو إلى فحص دستوريته؛ 

في شأن المادة 17 (الفقرة الأولى): 
حيث إن الفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أنه: "يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام، داخل أجل خمس سنوات من تاريخ صيرورة المقرر القضائي حائزا لقوة الشيء المقضي به."؛
وحيث إنه، بالرجوع إلى الدستور، فإنه ينص في:
- الفقرة الأولى من الفصل السادس منه، بصفة خاصة، على أن: "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة..."، 
- الفصل 117 منه، على أنه: "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات... وأمنهم القضائي..."، 
- الفقرة الأولى من الفصل 126 منه على أن: "الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع"؛ 
وحيث إنه، يستفاد من أحكام فصول الدستور المستدل بها في ترابطها وتكاملها، وعلاقة بالنص المعروض أنه لا يسوغ، في ظل الدستور، أن يتم التصريح ببطلان المقرر القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به، إلا من قبل السلطة القضائية المستقلة، التي يمارسها القضاة المزاولون فعليا مهامهم القضائية بمحاكم التنظيم القضائي، طبقا للفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ 
وحيث إنه، وإن كان القانون قد أسند إلى النيابة العامة المختصة، وهي التي تناط بها حماية النظام العام والعمل على صيانته، طلب التصريح ببطلان المقرر القضائي المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 17 المعروضة، مما لا يشكل، في حد ذاته، مخالفة للدستور، فإن نفس الدستور كفل بمقتضى مبدأ الأمن القضائي، للمحكوم لصالحهم الحق في تمسكهم بحجية المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، وإنفاذ آثارها؛ 
وحيث إنه، وإن كانت حماية المشرع للنظام العام في مجال التنظيم الإجرائي للدعاوى المدنية، تشكل في حد ذاتها، هدفا مشروعا لا يخالف الدستور، فإنه يتعين على المشرع، عند مباشرة ذلك، استنفاذ كامل صلاحيته في التشريع، والموازنة بين الحقوق والمبادئ والأهداف المقررة بموجب أحكام الدستور أو المستفادة منها، على النحو الذي سبق بيانه؛ 
وحيث إن صيغة الفقرة الأولى من المادة 17 المعروضة، خلت من التنصيص على حالات محددة يمكن فيها للنيابة العامة المختصة طلب التصريح ببطلان المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به التي يكون من شأنها مخالفة النظام العام، واكتفت بتخويل هذه الصلاحية للنيابة العامة المختصة، تأسيسا على هذه العلة، ومنحت، تبعا لذلك، للنيابة العامة، طالبة التصريح بالبطلان، وللجهة القضائية التي تقرره، سلطة تقديرية غير مألوفة تستقل بها دون ضوابط موضوعية يحددها القانون، بما يتجاوز نطاق الاستثناء على حجية المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، ويمس بمبدأ الأمن القضائي، فيكون المشرع بذلك، قد أغفل تحديد ما أسنده له الدستور في مجال التنظيم الإجرائي للدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية، ضمن النطاق الموضوعي للبند التاسع من الفقرة الأولى من الفصل 71 من الدستور؛ 
وحيث إنه، تبعا لذلك، تكون الفقرة الأولى من المادة 17 المعروضة، غير مطابقة للدستور؛  

 
في شأن المادة 84 (الفقرة الرابعة) والمقتضيات من المواد التي تحيل عليها: 
حيث إن الفقرة الرابعة من هذه المادة تنص على أنه: " يجوز للمكلف بالتبليغ، عند عدم العثور على الشخص المطلوب تبليغه في موطنه الحقيقي أو المختار أو محل إقامته، أن يسلم الاستدعاء إلى من يثبت بأنه وكيله أو يعمل لفائدته أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم."؛
وحيث إن إنفاذ حقوق الدفاع المضمونة أمام جميع المحاكم، بموجب أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 120 من الدستور، وتحديد المراكز القانونية للأطراف في الدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية، يتوقف في إحدى صوره، على التنظيم الإجرائي للتبليغ ضمن النطاق الموضوعي للمسطرة المدنية، وفق مقتضيات لا لبس فيها ولا إبهام، وليس من شأنها أن تمس بمبدأ الأمن القانوني، الذي يحق للمخاطبين بالقاعدة القانونية، الملزمين بالامتثال لها، توقعه من المشرع، وفق المستفاد من الفقرة الأولى من الفصل السادس من الدستور؛   
وحيث إن الفقرة الرابعة من المادة 84 المعروضة، أقرت صحة تسليم الاستدعاء بمجرد تصريح شخص أنه وكيل المطلوب تبليغه أو أنه يعمل لفائدته، أو بمجرد تقدير المكلف بالتبليغ لظاهر بلوغ الساكنين مع المطلوب تبليغه، سن السادسة عشر، وأناطت بالمكلف بالتبليغ، حال إجرائه، تقدير عدم تعارض مصلحة المعني في التبليغ مع مصلحة الساكنين معه؛ 
وحيث إن الصيغة المعروضة، فضلا عن تسويغها صحة تسليم الاستدعاء بناء على الشك والتخمين، لا على الجزم واليقين، ألقت على المكلف بالتبليغ، الذي يعد مخاطبا بالقاعدة القانونية، عبء التصرف في حالات لا يعود أمر تحديدها إلا للقانون، وأخلت بما للمطلوب تبليغهم من ثقة مشروعة في تطبيق قواعد التبليغ التي يعود للمشرع تحديدها، بما يضمن حقوقهم في التقاضي، مما يكون معه ما نص عليه المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84 من أنه :" أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم"، مخالفا للدستور؛ 
وحيث إنه بالتالي، فإن المقتضيات التي أحالت على المقطع المذكور أعلاه، في المواد 97 و101 و103 و105 و123 في فقراتها الأخيرة و127 و173 و196 في فقراتها الأولى و204 في فقرتها الثالثة و229 في فقرتها الأولى و323 في فقرتها الأخيرة و334 و352 و355 و357 في فقراتها الأخيرة و361 في فقرتها الأولى و386 في فقرتها الأخيرة و500 في فقرتها الأولى، و115 و138 و185 و201 و312 و439، تعد أيضا مخالفة للدستور؛  


في شأن المادة 90 (الفقرة الأخيرة): 
حيث إن الفقرة الأخيرة من هذه المادة تنص على أنه: " يحضر الأطراف أو من ينوب عنهم الجلسات المنعقدة حضوريا أو عن بعد بأمر من المحكمة في التاريخ والساعة المحددين في الاستدعاء. كما يحضرون بنفس الكيفية الجلسات اللاحقة التي أشعروا بحضورها شفويا من قبل المحكمة."؛ 
وحيث إن الدستور ينص في:
- الفقرة الأخيرة من الفصل 120 منه على أن:" حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم."،
- الفصل 123 منه على أنه: " تكون الجلسات علنية ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك."، 
- الفقرة الأخيرة من الفصل 154 منه، على أنه: "تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة..."؛ 
وحيث إنه، يستفاد من أحكام الدستور المستدل بها علاقة بالضمانة الدستورية لحقوق الدفاع أمام جميع المحاكم، وبمبدأ علنية الجلسات والاستثناءات التي ترد عليه قانونا، أن الدستور، لا يمنع حضور الأطراف عن بعد في جلسات المحاكم، وفق كيفيات يحددها القانون ولا تتعارض مع الضمانات الدستورية لحق التقاضي؛
 وحيث إنه، وإن كان يعود للمشرع وفق سلطته التقديرية، تنظيم حضور الأطراف أو من ينوب عنهم في جلسات تنعقد عن بعد بغية تجويد مرفق القضاء، فإن ضمان حقوق الدفاع ومبدأ علنية الجلسات، يوجبان التنصيص، في هذه الحالة وبصفة خاصة، على مقتضيات صريحة من شأنها ضمان  قبول الطرف المعني بالحضور عن بعد، والتواصل المتزامن وثنائي الاتجاه بين المحكمة ومكان حضور الطرف المعني، وكذا سلامة وتمامية وسرية المعطيات المرسلة، بما في ذلك أمن تبادل وسائل الإثبات والوثائق وباقي أوراق الدعوى، وتنظيم حالات انقطاع التواصل عن بعد، والعودة إلى الشكل الحضوري، ثم يظل المشرع، وفق الدستور، مخيرا بين التصدي للتشريع في كيفية تنظيم الجلسات عن بعد، بما يكفل تحقيق المبادئ المذكورة التي تكتسي صبغة قانون، أو إسناد تحديد تلك الكيفية إلى نص تنظيمي يحيل إليه؛ 
وحيث إن صيغة الفقرة الأخيرة من المادة 90 المعروضة، اكتفت بالتنصيص على إمكانية حضور الأطراف أو من ينوب عنهم في الجلسات المنعقدة عن بعد، دون تحديد الشروط والإجراءات والضمانات المذكورة أعلاه، مما لم يستنفذ معه المشرع صلاحية التشريع في الحالة المعروضة، وبالتالي تكون الفقرة الأخيرة من المادة 90 غير مطابقة للدستور؛  


في شأن المادتين 107 (الفقرة الأخيرة) و364 (الفقرة الأخيرة):
حيث إن الفقرتين الأخيرتين من المادتين تنصان بالتوالي، على أنه: "يحق للأطراف أخذ نسخة من مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق دون التعقيب عليها."، وعلى أنه: "يحق للأطراف أو دفاعهم أو وكلائهم الحصول على نسخة من مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق دون التعقيب عليها."؛
 وحيث إنه، يستفاد من أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 120 من الدستور، علاقة بالفقرتين المعروضتين، أن حقوق الدفاع ضمانة جوهرية لحق التقاضي، لا تنفصل عنه، وأنه لما كان مبدأ التواجهية يترتب، من الناحية الإجرائية، على الكفالة الدستورية لحقوق الدفاع، فإنه يعود للمشرع، في النص المعروض، تنظيمه، ضمن النطاق الموضوعي للمسطرة المدنية، وفقا لسلطته التقديرية، وبالاختيار الذي يجريه بين البدائل المختلفة، مع مراعاة الأوضاع التي يتم التقاضي في نطاقها، وبما يضمن أصل المبدأ وتكافؤ وسائل دفاع أطراف المنازعة فيما يدعونه من حقوق؛  
 وحيث إن المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق، وإن كان لا يعد طرفا في النزاع الإداري ويقدم فقط رأيا قانونيا محايدا ومستقلا، فإنه قد تكون للأطراف ملاحظات على ما قد يتراءى لهم من تأثير لمستنتجاته على النزاع، وتبعا لذلك فإن تحصين مستنتجاته من التعقيب على النحو المذكور في المقتضيات المعروضة، يعد قيدا غير مبرر على حق الدفاع؛ 
وحيث إن الفقرتين المعروضتين، حرمتا الأطراف أو دفاعهم أو وكلاءهم من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق قبل حجز القضية للمداولة، وهو ما لا يضمن تكافؤ وسائل الدفاع بين أطراف المنازعة، مما تكونان معه غير مطابقتين لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 120 من الدستور؛


في شأن المادة 288: 
حيث إن هذه المادة تنص على أنه:" يثبت كاتب الضبط حالة الوصية التي عثر عليها مفتوحة ويسلمها إلى القاضي أو المحكمة وفق ما هو مقرر في المادة 284 أعلاه."؛
وحيث إن خطأ شاب الإحالة الواردة في هذه المادة 288 المعروضة، إذ أحالت على المادة 284، التي تحدد المسؤول عن مفاتيح أقفال الأبواب التي وضعت عليها الأختام، بدل الإحالة على المادة 285 التي تبين الإجراءات المسطرية الواجب القيام بها عند العثور على وصية أو أوراق أخرى عند وضع الأختام؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، تكون المادة 288 بإحالتها على المادة 284، غير مستوفية لمتطلبات وضوح ومقروئية القواعد القانونية التي يفرضها المستفاد من مطلع الفقرة الأولى من الفصل السادس من الدستور، التي تعتبر "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة"، مما تكون معه مخالفة للدستور؛

 
في شأن المادة 339 (الفقرة الثانية): 
حيث إن الفقرة الثانية من هذه المادة تنص على أنه: " يتعين أن يكون القرار معللا في حالة رفض الطلب."؛ 

وحيث إن الفصل 125 من الدستور أوجب أن "تكون الأحكام معللة..."، على سبيل الإطلاق، وبما لا يحتمل أي استثناء، وأسند إلى القانون تحديد شروط ذلك لا غير، وليس إرساء استثناء على المبدأ العام؛ 
وحيث إنه، يستفاد من صيغة الفقرة الثانية من المادة 339 المعروضة، بمفهوم المخالفة، أن القرار القاضي بالاستجابة لطلب التجريح لا يستلزم تعليلا، رغم أن الفقرة الأولى من نفس المادة تنص على الاستماع لإيضاحات طالب التجريح والمطلوب تجريحه عندما تبت المحكمة المختصة في غرفة المشورة، مما تكون معه الفقرة المذكورة غير مطابقة للدستور؛


في شأن المادتين 408 (الفقرة الأولى) و410 (الفقرة الأولى): 
حيث إن الفقرتين الأوليين من المادتين 408 و410 تنصان بالتوالي، على أنه: "يمكن لوزير العدل أو للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أن يقدم طلب الإحالة إلى هذه المحكمة المقررات التي قد يكون القضاة تجاوزوا فيها سلطاتهم"، وعلى أنه: "يمكن لوزير العدل أو للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تقديم طلب الإحالة من أجل التشكك المشروع أمام هذه المحكمة عند عدم تقديم طلب في الموضوع من الأطراف"؛ 
وحيث إنه، بالرجوع إلى الدستور، فإنه ينص في:
- الفقرة الثانية من الفصل الأول منه على أنه: "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط..."، 
- الفقرة الأولى من الفصل 87 منه، بصفة خاصة على أنه: "تتألف الحكومة من رئيس الحكومة والوزراء..."، 
- الفقرة الأولى من الفصل 89 منه، على أنه: "تمارس الحكومة السلطة التنفيذية."، 
- الفقرة الأولى من الفصل 107 منه على أن: "السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية."، 
- الفصل 117 منه على أنه: "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون."؛ 
وحيث إن المادة التاسعة من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، تنص على أنه: "يمارس أعضاء الحكومة اختصاصاتهم في القطاعات الوزارية المكلفين بها، في حدود الصلاحيات المخولة لهم بموجب المراسيم المحددة لتلك الاختصاصات المشار إليها في المادة 4...، والنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل"؛ 
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تنص على أنه: "تمارس السلطة القضائية من قبل القضاة الذين يزاولون فعليا مهامهم القضائية بالمحاكم التي يشملها التنظيم القضائي للمملكة."؛ 
وحيث إن المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة تنص على أنه: " يوضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة وإشراف ومراقبة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين."
 وحيث إنه،  يستفاد من أحكام الدستور والقوانين التنظيمية المستدل بها، علاقة بالفقرتين المعروضتين، أن الوزير المكلف بالعدل عضو في الحكومة التي تمارس السلطة التنفيذية، والتي تعتبر السلطة القضائية مستقلة عنها، و أنه يترتب عن استقلال السلطة القضائية، في ظل الدستور، عدم إسناد الاختصاصات المتعلقة بحسن سير الدعوى، في مجال التنظيم الإجرائي للدعاوى الخاضعة للمسطرة المدنية، إلا لمن يمارس السلطة القضائية دون سواها، وهو ما تحقق في الفقرتين المعروضتين اللتين أسندتا إلى محكمة النقض البت في طلب الإحالة من أجل تجاوز القضاة لسلطاتهم، أو من أجل التشكك المشروع  بناء على طلب الوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة، بوصفه أيضا رئيسا للنيابة العامة، وساهرا على حسن سير الدعوى في مجال اختصاصها، وعلى حماية النظام العام والعمل على صيانته، وهو ما يجعل هاتين الحالتين تختلفان عن الحالة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 411 المعروضة والتي خولت وزير العدل إمكانية تقديم طلبات الإحالة، على سبيل الوقاية، من أجل الأمن العمومي و هو طلب لا يمس باستقلال السلطة القضائية؛
وحيث إنه، تبعا لذلك، فإن الفقرتين الأوليين من المادتين 408 و410 مخالفتان للدستور فيما خولتا للوزير المكلف بالعدل من تقديم طلب الإحالة من أجل الاشتباه في تجاوز القضاة لسلطاتهم أو من أجل التشكك المشروع؛

في شأن المادتين 624 (الفقرة الثانية) و628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة): 
حيث إن الفقرة الثانية من المادة 624، والفقرتين الثالثة والأخيرة من المادة 628 تنص على التوالي على أنه: " تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبير هذا النظام المعلوماتي ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة به، بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة."، وعلى أنه: " تقيد القضايا حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها في السجل الإلكتروني المعد لهذه الغاية بالنظام المعلوماتي، ويعين النظام المعلوماتي القاضي أو المستشار المقرر أو القاضي المكلف، حسب الحالة، باعتباره مكلفا بتجهيز الملف المحال إليه فورا بطريقة إلكترونية."، وعلى أنه: "يمكن لرئيس المحكمة أو من ينوب عنه، عبر النظام المعلوماتي، تغيير القاضي أو المستشار المقرر أو القاضي المكلف، حسب الحالة، باعتباره مكلفا بتجهيز القضية والذي تم تعيينه وفق مقتضيات الفقرة الثالثة أعلاه"؛ 
وحيث إن الدستور ينص في الفقرة الثانية من الفصل الأول منه، بصفة خاصة، على أنه: "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، ...وتعاونها...، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة..."، وفي الفقرة الأخيرة من الفصل 154 منه، على أنه: "تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة..."؛ 
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 54 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية تنص على أنه: "تحدث هيئة مشتركة بين المجلس والوزارة المكلفة بالعدل ورئاسة النيابة العامة تتولى التنسيق في مجال الإدارة القضائية، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، كل فيما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية."
وحيث إن حسن تدبير الإدارة القضائية يندرج في إطار الصالح العام، وإن الشأن القضائي لا يعد موضوعا للتنسيق بين السلطتين التنفيذية والقضائية، بل تستقل به هذه الأخيرة، ويمارسه قضاة الأحكام والنيابة العامة، دون تدخل من السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ 
وحيث إنه، يستفاد مما سبق الاستدلال به، علاقة بالمقتضيات المعروضة من المادتين 624 و628 ،أنه وإن كان مبدأ التعاون بين السلط وخصوصا في مجال الإدارة القضائية، يقتضي، عند الحاجة، التنسيق فيما بينها قصد تحقيق غايات مشتركة، ومنها النجاعة القضائية عبر "رقمنة المساطر والإجراءات القضائية"، توطيدا لحقوق المتقاضين وإنفاذا لقواعد سير العدالة، إلا أن توزيع القضايا وتعيين القضاة أو المستشارين المقررين أو القضاة المكلفين بها، يعد عملا ذا طبيعة قضائية، مما لا يسوغ معه تخويل تدبير هذا الجانب، باستخدام نظام معلوماتي، لغير السلطة القضائية؛ 
وحيث إنه، وإن كان تعيين النظام المعلوماتي، بصفة آلية، للقضاة أو المستشارين المقررين أو القضاة المكلفين بالقضايا، أو تغيير هذا التعيين من قبل رئيس المحكمة عبر النظام المعلوماتي،  متى كان النظام المذكور مدبرا من قبل السلطة القضائية لا غيرها، مما يندرج في إطار حسن تدبير الإدارة القضائية، وتوطيد ضمانات حياد واستقلال المحكمة، وإنفاذ الحقوق المنصوص عليها في الفصل 120 من الدستور، فإن إجراء هذه العملية ضمن نظام معلوماتي تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبيره، ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة به، ويسند فيه إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، مجرد "التنسيق" مع السلطة الحكومية المذكورة بشأنه، يعد مخالفا  لمبدأ فصل السلط ولاستقلال السلطة القضائية، المقررين بموجب الفصلين الأول و107 من الدستور، إذ يظل العمل القضائي، في كليته، مما تستقل به السلطة القضائية، ويعود معه إلى هذه السلطة لا غيرها مسك وتدبير هذا النظام، دون أن يحول ذلك، وفق ما يستقل المشرع بتقديره، من إمكانية التنسيق مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل بخصوص النظام المذكور، وفي حدود التعاون بين السلط؛  

وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، تكون الفقرة الثانية من المادة 624 والفقرتان الثالثة والأخيرة من المادة 628 مخالفة للدستور؛ 

لهذه الأسباب:

ومن غير حاجة لفحص دستورية باقي مواد ومقتضيات القانون المحال؛

أولا- تقضي بأن:
- المواد 17 (الفقرة الأولى) و84 فيما نص عليه المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من أنه:" أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم"، و90 (الفقرة الأخيرة) و107 (الفقرة الأخيرة) و364 (الفقرة الأخيرة) و288 و339 (الفقرة الثانية) و408 و410 في الفقرتين الأوليين منهما فيما خولتا للوزير المكلف بالعدل من تقديم طلب الإحالة من أجل الاشتباه في تجاوز القضاة لسلطاتهم أو من أجل التشكك المشروع و624 (الفقرة الثانية) والمادة 628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة)، غير مطابقة للدستور،
- المقتضيات التي أحالت على المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84، في المواد 97 و101 و103 و105 و123 في فقراتها الأخيرة و127 و173 و196 في فقراتها الأولى و204 في فقرتها الثالثة و229 في فقرتها الأولى و323 و334 و352 و355 و357 في فقراتها الأخيرة و361 في فقرتها الأولى و386 في فقرتها الأخيرة و500 في فقرتها الأولى، و115 و138 و185 و201 و312 و439، غير مطابقة للدستور؛ 

 
ثانياـ تأمر بتبليغ نسخة من قرارها هذا إلى كل من السيد رئيس الحكومة، والسيد رئيس مجلس النواب، والسيد رئيس مجلس المستشارين، وبنشره في الجريدة الرسمية؛

        
وصدر بمقر المحكمة الدستورية بالرباط في يوم الإثنين 10 من صفر 1447 
(4 أغسطس 2025) 

الإمضاءات

محمد أمين بنعبد الله

عبد الأحد الدقاق            محمد بن عبد الصادق              محمد الأنصاري

لطيفة الخال          الحسين اعبوشي           محمد علمي                خالد برجاوي

أمينة المسعودي      نجيب أبا محمد         محمد قصري              محمد ليديدي